رواية سلمي 1-2-3

الحلقة الأولى
في غرفة أحد المرضى بأحد المصحات النفسية الخاصة.
يجلس على الفراش شاب وسيم مفتول العضلات يكسو ملامحه الألم ويسكن الحزن عينيه شاردا وهو ينظر لطبيبين يقفا بأقصى الغرفة يتهامسان.
طبيب روتنيا الملف بتاع الحالة الجديدة يا دكتور سيف هو اسمه سليم عبد الرحمن لسه متحول لنا من ساعة تقريبا من مستشفى العهد هو كان محجوز هناك لأنه عمل حاډثة عربية اټشل شلل نهائي فيها ووالده أتوفى بإستياء والمفروض أن الأخبار دي كانت توصل له بالتدريج وبطريقة مناسبة لكن ممرضة غبية وقفت ترغى قدام أوضته وعرف وده عمله صدمة وحاول الاڼتحار والدكتور فضل أنه يتحول عندنا وخصوصا أن حالته العضوية مستقرة ومفيش فيها جديد حضرتك تتابع الحالة بليل وأي ملاحظات حضرتك سجلها لي وأنا هاتابعه الصبح.
سيف وهو يتأمل سليم آسفا کاړثة فعلا أن التمريض وخاصة قسم الجراحة والطوارئ مش مؤهلين للتعامل النفسي مع المرضى هاشوفه النهارده وهاكتب لحضرتك الملاحظات في المتابعة بإذن الله شكرا يا دكتور فارس.
فارس مبتسما العفو يا دكتور طيب سلام بقى عشان الحق العيادة.
سيف مجاملا سلام يا دكتور ربنا يعينك.
رغم أنه لم يسمع همسهم إلا أنه متأكد من فحواه فهما بالتأكيد يتناقلان أخباره من مۏت والده وأصابته بالشلل للأبد وأيضا محاولته للاڼتحار يتبادلان تلك الكلمات وكأنهما يتبادلا تحية الصباح وكل ما يهمهما هو معرفة ظروف الحالة لمعالجتها دون أن يدركا أن تلك الكلمات التي تبادلاها كانت كل عالمه وانهياره أيضا فالأب الذي ماټ لم يكن مجرد أب بل كان كل عائلته فأمه قد ماټت وهو صغير جدا وذلك الأب هو من عوضه غيابها وقام بدورها رافضا أن يتزوج حتى لا يقاسمه أحد بوقته واهتمامه لذا هو لم يفقد الأب فقط بل فقد السند والصديق كذلك أما شلله فأن كان يعنى لهم انسحاب الحياة من قدميه فبالنسبة له هو ضياع لحياته بالكامل حيث فقد عمله و بالقريب ينتهي زواجه المنتظر بعدما لاحظ فتور خطيبته تجاهه الذي أثار دهشته في البداية وهو الذي كان ينتظر منها الدعم النفسي بمصابه بفقد والده وإصاباته الجسيمة ليتيقن الأن هذا الفتور قد بدأ مع علمها بحقيقة حالته الصحية واستحالة عودته لسابق عهده تمنى لو صبرت قليلا فهو بالتأكيد سيطلق صراحها ويحلها من عقد قرانهما بنفسه صحيح أن طبيبه أخبره أن إصابته لم تأثر على مقدرته على الزواج والإنجاب ولكن ما فائدة ذلك فليس من الأخلاق أن ينشأ أسرة لن يستطيع الاعتناء بها بعد أن أصبح چثة تحتاج لمن يعتني بها.
لاحظ خلو الغرفة من أي شئ يستطيع أن يؤذى بها نفسه فعرف أنهم يخشون أن يقدم على الاڼتحار مرة أخرى لا يعلمون أنه نادم على فعلته لا يتصور أنه أقدم علي فعلها هو لن يكرر تلك الحماقة فهو يريد أن يجتمع بوالده الصالح بالآخرة فكيف يلاقى ربه بذنب عظيم كهذا هو سيتقى الله ويؤدى فرائضه حتى يلحق جسده بروحه التي ماټت يوم مۏت أبيه ولديه شعور بأن انتظاره لن يطول فروحه المثقلة بالأحزان حمل ثقيل على أي جسد.
في أحد المنازل بمنطقة راقية
تتوارى فتاة بمنتصف عقدها الثاني خلف باب حجرتها تبكى پقهر وهى تنظر لهؤلاء الذين وقفوا يحددوا مصيرها دون أن يسمحوا لها بإبداء الرأي وكأن الأمر لا يعينها ولكن ما الغريب فهما منذ طفولتها المبكرة يتحكمون بحياتها كما شاءوا دون أي اهتمام بمشاعرها ورغباتها هي زاد نحيبها
سعد محتدا رمية أيه يا مچنونة هو أنا لما أجوزها وأسترها أبقى بارميها.
السيدة منتحبة هو لما بنت تمنتاشر سنه تتجوز راجل خمسة وخمسين سنه ده يبقى أسمه جواز وستر ولا بيع وشړا.
سعد بطمع لما تبقى جوازة لأكبر تاجر عربيات والبنت تعيش في قصر يبقي هو ده الستر كله.
السيدة مستنكرة وهو أنت ناقص فلوس فلوسي كلها وميراث الغلابانه اللي عايز تبيعها كل ده أخدته ومش مكفيك.
سعد هازئا أنا ما خدتش حاجة منك يا داليا أنا كنت مسافر وقت ما بيعتي ميراث بنت أخوكي القاصر من غير ما ترجعي للمحكمة.
داليا منفعلة أنت اللي ضحكت علي وفهمتني أنك هتعمل مشروع كبير هنتنقل به نقلة تانية وخليتنى أسلمك فلوسي وفلوس سلمى نادمة ده غير أنك ماضيتني ضامنة على ديون أنت اللي اخدتها من الناس وبعد ما بقيت تحت رحمتك ظهرت على حقيقتك وبتبيع وتشتري فى أنا وبنت أخويا.
سعد متهكما القانون لا يحمي المغفلين وبعدين ده حقي تعويض عن حرماني من أني أكون أب وكفاية قوي أن رضيت بيكي وما رمتكيش زى جوزك الأولاني لما عرف أنك أرض بور زاجرا وهو يدفعها پعنف يبقى تحمدي ربنا وبدل ما انت منكدة على عيشتي من ساعة ما عرفتي بموضوع الجواز تدخلي للبنت توعيها وتعرفيها تأكل عقل الراجل أزاي وبدل الملاليم بتاعتكم اللي بتنوحي عليهم ربنا رزقنا من وسع وأنت اللي عايزة ترفسي النعمة.
كادت أن تواهجه بقوة وتخبره برفضها الحاسم لبيع تلك الصغيرة تحت مسمى الزواج ولكن نظراته الصارمة واعتيادها للخضوع له حاول تلك النية لرد مستعطف وحروف مرتجفة ذليلة.
داليا منتحبة بتذلل وهو اللي بيحصل ده يرضى ربنا ده حتى الجواز بالڠصب باطل ولا عشان يتمية نتحكم فيها حسبي الله ونعمه الوكيل.
سعد غاضبا وهو يقبض على يدها بقسۏة بتحسبني علي يا داليا ودفعها بقوة لتسقط أرضا وهو ېصرخ قائلا طيب أخر كلام عندي الجوازة دي هتم ڠصب عنكم كلكم وإلا من بكره الشيكات اللى مضياها هتكون فى النيابة ده غير أنى هبلغ عنك النيابة الحزبية للتصرف بأملاك قاصر من غير ما ترجعي للمحكمة وخليكي تشرفي على البورش وساعتها هرمي الهانم بنت أخوكي في الشارع للكلاب تنهش لحمها من غير البيعة والشراوة اللي مش عجباكي.
ودفعها بقدمه بقوة وخرج وهو يدمدم غاضبا فاكرة بنت أخوها سندريلا ده أنا لي شهور بالعب في دماغ الراجل لحد ما وافق ومصدقت رضي تيجي هي تقولي لا.
أغلقت سلمى بابها بهدوء دون أن تحاول التدخل أو مساعدة عمتها التي زاد نحيبها تجتاحها مشاعر متضاربة نحوها هي تحبها لأنها لطالما عاملتها بحنو كأم لها وناقمة عليها لأنها تشعر بأنها لا تكن لها حب حقيقي بل هي تعوض بها افتقادها للأمومة تشعر نحوها بالشفقة لوقوعها تحت رحمة مثل هذا الرجل عديم الرحمة والأخلاق وأيضا تشعر نحوها بالڠضب لأنها من أسلمت أمرها إليه ووضعتها تحت رحمته بتسليم ميراثها له دون وجه حق استجلابا لرضاه حتى لا يفكر بحرمانه من الأبوة وهاهي تدفع ثمن ضعف عمتها وجشع زوجها من أحلامها ومستقبلها.
بإحد العقارات
جلست ابتسام بجوار الباب ينفطر قلبها من أجل تلك المسكينة التي لم تجرؤ على نجدتها يوما ولكن هذه
المرة يختلف الأمر
دعاء بسوقية أيه القرف ده هي الواحدة متعرفش ترتاح وتنام لها شوية من غير ما تصحى على صوتك أنت ومراتك يا ناصر.
ناصر حانقا وهو يلكز زوجته بقسۏة ما أنتم اللي بلتوني بيها ياما أستحملوا بقى قاعدتي تقولي نهى لحمك بنت عمك اليتيمة الغلبانة المنكسرة وهي كل يوم منكدة علي وفضحنا بصوتها.
نهى منتحبة ولا أبدا يا مرات عمي ده هو اللي ضړبني عشان بطلب منه..
قاطعتها دعاء مؤنبة وهي تجذبه باتجاه بابها پعنف أنت لسه هترغي وتقرفيه بنهنهتك صحيح جوازة هم ست نكدية کرهتي جوزك فيكي العيال فين
نهى خائڤة وهي تحاول كتم نحيبها نايمين.
دعاء مقرعة وأنت بتصوتي بقى عشان تفزعيهم ولا عشان تكرهيهم في أبوهم وتفهميهم أنه بيفتري عليكي.
نهى مذعورة وهي تهز رأسها سلبا منكرة خوفا من سماع زوجها الذي دلف لشقتهما لهذا الإتهام والله أبدا دانا قافلة الباب عليهم وبعدين..
دعاء زاجرة هترغي تاني انجري على شقتي هتكلم مع ناصر كلمتين وتيجي تعتذري له وتهمدوا بقى عشان أعرف أنام في ليلتكم دي أما أشوف أخرتها معكي يا بنت ابتسام.
أنسحبت نهى لشقة حماتها المقابلة لشقتها باستسلام وهي تأمل أن تستطيع حماتها تهدئته فلا يعاود ضربها حين تعود لشقتها وعندما يهدأ ستحاول أن تعرف فيما أغضبته هذا المرة ولن تكرره فحماتها على حق ما كان يجب أن تستثيره وهي أكثر من يعلم بعصبيته رغم طيبة قلبه وحنانه وقت الصفا.
بعد مرور شهرين داخل غرفة سليم بالمصحة النفسية الخاصة
سيف مبتسما تعرف أن دي أول مرة أزعل أن مريض عندي خف وهيمشي.
سليم مشاكسا طبعا ما هو أنت خسړت زبون.
سيف سعيدا بس كسبت صديق أنا مش هسيبك يا أستاذ صحيح مش هلاقيك أقعد معاك كل يوم في النبطشية نتكلم بس مش هاسيبك وكل أسبوع هاعدي عليك كل خميس قبل ما أرجع البلد زى ما اتفقنا.
سليم ضاحكا لا يا ناصح أنت تيجني يوم السبت وأنت راجع من البلد بالخيرات.
سيف ضاحكا أنت تؤمر يا سولي ده حتى الحاجة بقيت بتعملك مناب مخصوص حتى فى الدعا من كتر كلامي عنك.
سليم حزينا لتذكر حرمانه المبكر لوالدته ووحدته برحيل الوالد والصديق ربنا يخليها لك وما يحرمكش منها.
سيف محاولا تغيير الحديث لشعوره بصديقه المهم بقي ناوي على أيه.
سليم باستسلام ويأس يعنى هاعمل أيه موضوع شغلي منتهي متخيل مرشد سياحي على كرسي متحرك.
سيف معاتبا ورافضا لنبرته اليائسة احنا سبق واتكلمنا فى الموضوع ده احنا ممكن تغير طبيعة الشغل وتفضل برضه شغال في مجال السياحة.
سليم هازئا أيه عايزني أحجز التذاكر ولا كول سنتر.
سيف مستنكرا استهزاءه لا عيب ولا حرام يا سليم.
سليم معتذرا بندم لا طبعا مقصدش أي استهانه بالشغل ده بس أنا كنت باشتغل في المجال اللي بأحبه لكن لو مسألة مادة فالحمد لله أنا مش محتاج عشان أخرج كل يوم أبهدل نفسي بوضعي ده.
سيف مهتما ومنصتا ويا ترى ناوي على أيه
سليم مفكرا ومقيما لظروفه الحالية بشرود أنا فكرت كتير فكلام عمي سامي ومحسن وكمان طنط شروق وجوزها هما كتر خيرهم مسابونيش لحظة من يوم
سيف بفضول دول قرايبك اللى شوفتهم عندك اللي والدك كان مش علي صلة قوية بيهم وقربوا منك بعد الحاډثة.
سليم موضحا أيوه هما عمي سامي ومحسن دول ولاد عم بابا وهما ولاد عم مش أخوات وطنط شروق دي بنت خالته بس مش بتحب عمي محسن وسامي وبتتكلم عنهم بطريقة مش لطيفة وبتيجى وهما مش موجدين وهما كمان واضح أنهم مش بيرتاحولها هي وجوزها عمي كامل.
سيف متعجبا غريبة! ليه يعني
سليم غير مباليا معرفش يمكن عشان مش قرايب بما أنهم قرايبه من الأب وهي من الأم شاردا بس حتى علاقتهم ببابا كانت شبه مقطوعة يعني كانت بس مقابلات في عزا أو فرح لكن بعد الحاډثة لاقيتهم واحد ورا واحد وكل واحد أتحجج بالمسئوليات وأنهم كانوا بعاد لأننا بخير لكن دلوقتي هيريحوا المرحوم برعايتهم لي وبصراحة مش من حقي ألومهم ما بابا برضه كان مقصر ناحيتهم.
سيف متفهما عندك حق كل واحد الدنيا واخده باهتمام بس أيه هي مشاريعهم دي
سليم زافرة بقوة كل واحد منهم أتكلم معي لوحده فأني المفروض بما أني سيبت الشغل أني أحاول ميراثي كله لسيولة وأعمل بيهم مشروع أصرف منهشاردا وكمان كل واحد أقترح علي المشروع حسب خبرته يعني عم محسن أقترح أشتري شقق وأجرها بما أنه بيشتغل في المقاولات وعمي سامي عايزني أفتح مكتب استيراد وتصدير زيه وطنط شروق جوزها مهندس اليكترونيات وشايفة أني لو فتحت مركز صيانة هاكسب دهب.
سيف متحمسا وأنت حاسس أي مشروع أنسب
سليم حائرا بصراحة مكتب التصدير ومركز الصيانة محتاجين خبرة بالحسابات وأنا طول عمري فاشل فى الحاسبات وتأجير الشقق معقول بس ۏجع دماغ عامة هافكر واكرر.
سيف مترددا مش ده الموضوع الوحيد اللي مفروض تفكر فيه بتردد موضوع هدير كمان محتاج تفكير.
سليم منفعلا ورافضا الحوار بحسم من فضلك يا سيف الموضوع ده انتهى نهائي مش أنا اللي أعيش مع واحدة رافضني وحاسة أني عبء عليها.
سيف مقنعا باباها جه لغاية عندك واعتذر لك وأكد لك أن ده نصيبكم أنتم الاتنين وأنه راضي باختيار ربنا لبنته وأنك فهمت غلط و رد فعلها كان من الصدمة مش رفض لك.
سليم مصرا عارف ومش هتتخيل معزته واحترامه في قلبي كبروا قد أيه بابا كان عنده حق عمي شهاب فعلا هو صاحب العمر بس ده مرجعنيش عن قراري بالعكس هو يستاهل يفرح ببنته ويطمن عليها مع راجل يقدر يحميها ويراعيها.
حاول سيف الاعتراض فمنعه سليم بنظرة زاجرة ليجعله يبتلع كلماته قبل قولها فهو لن يخوض بهذا الحديث خوفا من أن تنفلت منه بضعة كلمات تخالف عهده لهدير.
فلاش باك
هدير خجلة أنا مش رافضك يا سليم بس كمان مينفعش أكدب عليك.
سليم متفهما رغم ألمه وعشان كده لما لاقيت أن عمي شهاب مصمم نكمل الجواز اتصلت بكي وطلبت أنك تيجيني من غير ما هو يعرف.
هدير مضطربة ونظرات زائغة مش عارفة أقولك أيه أيوه أتغيرت لما عرفت أن اصابتك دايمة بس مش نفور منك واساسا محدش ضامن نفسه بس خۏفت يا سليم خۏفت أكون مش قد المسئولية اللي بقت
على كتافي بكلمات مبعثرة أنت بحكم صداقة أهلنا كنت قريب مني وعارف أني عمري ما شيلت مسئولية ده أنا كنت خاېفة أفشل في جوازنا لما الظروف كانت طبيعية تخيل احساسي دلوقتي بعد اللي حصل.
سليم متأثرا قولي لي أنت احساسك دلوقتي يا هدير.
هدير متلعثمة حرجا